• ×

نموذج مستعمرة : النوع قائمة

بث مباشر || قناة القرآن الكريم || Makkah Live

الباب التاسع: مراكز العمران الريفي

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
[b]الفصل الأول: مراكز العمران الريفي
مفهوم جغرافية العمران ومجال البحث فيها
...
الفَصلُ الأول: مَراكز العُمران الرِّيفَي
مفهوم جغرافية العمران ومجال البحث فيها:
تعد جغرافية العمران فرعا هاما من فروع الجغرافيا البشرية؛ وذلك لأن مراكز العمل البشري هي انعكاس لعدة ظروف جغرافية متشابكة أسهمت في توزيع السكن والسكان، ويعالج هذا العلم أنماط العمران في البيئات المختلفة سواء كان عمرانا ريفيا أو حضريا، أو عمرانا يجمع في ثناياه بين هذين النمطين.
ورغم أن جغرافية العمران geography of settlements تنقسم إلى فرعين رئيسيين هما جغرافية السكن الريفي geography of rural settlements وجغرافية السكن الحضري -أو المدن- geography of urban settlements فإن دراسة الفرع الأول لم يحظ باهتمام الجغرافيين إلا حديثا جدا ومنذ ما يقرب من نصف قرن فقط -وبالتحديد في سنة 1925- عندما قدم الباحث "ديمانجون demangeon" أول بحث عن جغرافية السكن الريفي: مفهومها ومنهجها، وذلك ضمن الأبحاث التي قدمت إلى المؤتمر الجغرافي الدولي الذي عقد في القاهرة في تلك السنة.
وكان العمران الريفي الفرنسي من الموضوعات التي جذبت اهتمام "ديمانجون" وقد كتب في هذا الموضوع عدة مقالات في مجلة "الحوليات الجغرافية" كما كتب عددا من الكتب فيه بين سنتي 1920 - 1939، واتخذ الرسم الداخلي للمساكن الريفية، ووظيفتها الزراعية عاملين أساسيين للتمييز بين منطقة وأخرى، واعتبر كثافة المساكن أو مدى انتشارها أمرا جوهريا، كذلك قام بإجراء استفتاء بشأن الموطن الريفي والمباني الزراعية وأساليب الزراعة ودور الأجانب في الفلاحة الفرنسية، وكذلك اهتم ديمانجون بوجه خاص بدراسة المدن، وكانت دراسته لباريس التي نشرت سنة 1933 دراسة جيدة اعتمدت عليها كثير من الأبحاث بعد ذلك. وتوالت بعد ذلك دراسات مستفيضة عن العمران الريفي خاصة في غرب أوروبا وذلك كمقدمة لفهم مشكلات البيئة الريفية ووضع أسس التخطيط الإقليمي لها.
وتتناول جغرافية السكن الريفي بعض الموضوعات المرتبطة بالقرى من حيث ثباتها أو تغيرها والمؤثرات الجغرافية في توزيع القرى وأشكال هذا التوزيع ثم تتناول بالتفصيل دراسة المسكن الريفي صفاته وخصائصه وارتباطه بظروف موضع القرية، وكذلك دراسة سكان الريف أنفسهم ومشكلاتهم وتوزيعهم وعلاقاتهم بالمراكز الحضرية الأخرى.
أما جغرافية المدن -وهي الشق الثاني من جغرافيا العمران- فقد جاء الاهتمام بها مبكرا عن الاهتمام بجغرافية السكن الريفي، علما بأن دراسة جغرافية المدن بمنهجها التقليدي ترجع إلى أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن وخاصة في بعض المقالات التي درست مواقع المدن ومواضعها، وخاصة في كتابات فردريك راتزل الجغرافي الألماني المشهور والذي يعد مؤسس الجغرافيا البشرية في العصر الحديث.
وقد أصبح العمران الحضري من أبرز سمات القرن العشرين وأضحت مشكلات النمو المدني من أكثر المشاكل إلحاحا في معظم دول العالم وما يرتبط بها من مشاكل الإسكان والغذاء والكهرباء والخدمات الأخرى.
وقد نشأت المراكز الحضرية "وهي مرادف للمدن" في بادئ الأمر في أماكن قليلة في الشرق الأوسط خلال العصر الحجري القديم الأعلى، فقد وجدت مدن في أراضي ما بين النهرين ومصر ترجع إلى منتصف الألف الرابعة قبل الميلاد وانتشرت بعد لك إلى وادي السند وإلى الصين، أما أولى المدن التي أنشئت في العالم الجديد فهي مدينة المكسيك الحالية التي أنشأها السكان الأصليون من الهنود الحمر منذ ألفي سنة تقريبا.
ومنذ نهاية العصور الوسطى كانت المراكز العمرانية الحضرية قاصرة على أوروبا وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الوسطى، وقد تمخض التدخل الأوروبي في العالم الجديد وفي سيبريا بعد عصر كولمبس عن إنشاء مدن جديدة في المناطق التي استعمرها الأوروبيون، ولكن نسبة سكان المدن ظلت ضئيلة بينما استحوز الريف على معظم السكان.
ولكن عملية التحضر "التمدين" URBANIZATION بدأت في التزايد تدريجيا في أعقاب الثورتين الصناعية والزراعية، وبدأت العملية أولا في إنجلترا قرابة نهاية القرن الثامن عشر وما إن جاءت سنة 1900 حتى كانت نسبة السكان الإنجليز الذين يعيشون في المدن 4/5 مجموع السكان، ومنذ ذلك التاريخ ظلت هذه النسبة ثابتة تقريبا. وشهدت كثير من الدول الصناعية في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية تطورا مماثلا، فكانت نسبة سكان المدن مثلا في الولايات المتحدة الأمريكة أقل من 10% في سنة 1800 ارتفعت إلى 70% من جملة السكان سنة 1960.
وانتشرت ظاهرة التحضر العمراني في العصر الحديث خارج أوروبا وأمريكا الشمالية، وتعد اليابان مثلا واضحا على ذلك حيث كانت نسبة سكان المدن بها حوالي 15% سنة 1875 ارتفعت لتصل 65% في الوقت الحاضر، أما البرازيل كدولة نامية فقد ارتفعت النسبة بها من 30% سنة 1940 إلى 45% سنة 1960، وفي مصر تزايدت هذه النسبة من 24% في سنة 1937 إلى 38% سنة 1960.
وعلى العموم فإن نسبة سكان المدن في العالم في الوقت الحاضر تتراوح بين 25 - 30% من جملة سكانه في الوقت الذي كانت فيه هذه النسبة منذ قرن مضى قرابة 3% فقط ومعنى ذلك أن هذه النسبة قد تضاعفت حوالي عشر مرات خلال مائة عام.
وترتبط عملية النمو الحضري في العمران البشري بتزايد أعداد البشر أنفسهم -ذلك التزايد الذي نجم عن الزيادة الطبيعية للسكان- وكذلك الهجرة التي شهدتها قارات العالم الجديد وما أعقبها من استغلال لهذه القارات وتحول السكان إلى إنتاج الغذاء وتجارته بدلا من الاعتماد على الحرف المعاشية.
وتهتم جغرافية المدن "السكن الحضري" بدراسة ما يلي:
أ- نشأة المدينة وتطورها والمراحل المختلفة التي مر بها هذا التطور والعوامل الرئيسية التي أسهمت في ذلك.
ب- بيئة المدينة من حيث موقعها وموضعها والمؤثرات الجغرافية في امتداد محاور النمو بها وظروفها المناخية وخاصة المناخ المحلي.
ج- سكان المدينة جغرافيا وديموغرافيا: أي دراسة توزيع السكان على رقعة المدينة ومؤثرات هذا التوزيع ثم نمو السكان وتركيبهم العمري النوعي والاقتصادي وغير ذلك من مظاهر التركيب الديموغرافي.
د- التركيب الوظيفي للمدينة، وتقسيمها إلى أحياء ذات صفات مشتركة وتحديد هذه الأحياء حسب وظيفتها الرئيسية.
هـ- إقليم المدينة: أي علاقتها ببيئتها المجاورة ومظاهر تأثير المدينة في هذه البيئة وتأثير البيئة فيها.
و تخطيط المدينة في المستقبل في ضوء عوامل النمو والتوسع.
ويرتبط بدراسة جغرافية المدن تحليل كثير من البيانات الإحصائية وإجراء دراسات حقلية والتعامل مع خرائط المدن الأصلية وخلق خرائط جديدة من واقع الدراسة الميدانية وتحليل البيانات، ولذلك فإن الباحث في جغرافية المدن ينبغي له أن يجيد التعامل مع خرائط العمران والدراسة الميدانية قبل وأثناء دراسته للمدينة.
وتنبغي الإشارة في ختام هذه المقدمة إلى أن وضع قواعد جغرافية المدن جاء في فترة حديثة جدا خاصة بعد الحربين العالميتين، وكان للجغرافيين الفرنسيين دور كبير في ذلك، فبالإضافة إلى دراسة ديمانجون لباريس سنة 1933، هناك دراسات أخرى هامة عن المدن والبلدان الفرنسية قام بها بلانشار BLANCHARD ونشرها في مجلة الحياة الحضرية "LA VIE URBANE" سنة 1922، ويعد كتابه عن مدينة جرينوبل grenoble سنة 1911 بحثا جيدا في الموقع العام للمدينة ولموضعها بالتفصيل وفي تطورها التاريخي ومركزها الحاضر، وقد أنشأ في جرينوبل مدرسة علمية منظمة للبحث في الجغرافية الحضرية "جغرافية المدن"1.
وبعد ذلك توالت دراسات المدن في الدول الأوروبية والولايات المتحدة والشرق الأقصى، فوضع جيفرسون الأمريكي gifferson كتابا درس فيه نمو المدن في الولايات المتحدة وفي بريطانيا، وتلاه بعد ذلك علماء ألمان كان أبرزهم كريستالر christaller الذي اشتهر بدراساته عن مواقع المدن وتباعدها ووضع القوانين التي تحكم ذلك.
غير أن جغرافية المدن -شأنها في ذلك شأن كثير من الفروع الجغرافية- بدأت مرحلة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية معتمدة على بعض الأساليب الحديثة خاصة الأساليب الكمية quantitative في تحليل المواقع والتباعد والتركيب بهدف الوصول إلى تحديد أقاليم المدن توطئة لوضع تخطيط شامل لهذه المدن في الحاضر والمستقبل وسنتناول بعض هذه الأساليب في الفصول التالية.

العمران الريفي
مدخل
...
العمران الريفي
تعد المراكز العمرانية settlements أول خطوة للإنسان لملاءمة نفسه مع ظروف البيئة الجغرافية، وتدخل دراستها في فروع متعددة من العلوم، فالإثنوغرافي يتولى وصف أشكال المساكن والمواد المستخدمة في بنائها ثم يدرس الموضوعات المختلفة للتركيب الاجتماعي والمستوى الحضاري للسكان وهو في كل ذلك يواجه الكثير من المشكلات الجغرافية للعمران، وفي مرحلة أعلى من التطور يدرس علماء الاجتماع والاقتصاد مشكلات المراكز العمرانية في مجال تخصصهم أما الجغرافي فيتناول دراسة مراكز العمران البشري في ضوء علاقاتها بالبيئة المجاورة التي توجه موضع المراكز العمرانية ومواقعها والمواد التي بنيت منها، وما ينعكس على حرف وتركيب هذه المراكز ثم مظاهر التركز أو التشتت على رقعة الإقليم والعوامل المؤثرة في ذلك، وعلى ذلك فإن دراسة البيئة الطبيعية تعد أساسية في تحليل جغرافية العمران الريفي والحضري على السواء، وارتباطها بمظاهر السطح والتركيب الجيولوجي والمظاهر الطبيعية الأخرى.
ويمكن تقسيم مراكز العمران الريفي إلى نوعين رئيسيين هما:
1- المراكز العمرانية الريفية المؤقتة:
تعكس المراكز العمرانية ارتباط المركز البشري بالموراد المتاحة في البيئة المحلية، ولذلك فإنها قد تكون مراكز عمرانية مؤقتة أو شبه دائمة أو دائمة، ومن الطبيعي أن القرى الثابتة نتاج بيئي لتطور طويل ارتبط بتزايد الموارد الطبيعية وبعبقرية الإنسان في الحصول على هذه الموارد وزيادتها، ومن ناحية أخرى فإن المراكز المؤقتة ترتبط بالمجتمعات البدائية مثل جماعات القنص والرعاة وحتى بعض الزراع البدائيين المتنقلين، بل إن البداوة قرينة بالتنقل الدائم وبمضارب الخيام، ويبدو ذلك بوضوح في خيام العربان ومخيمات قرى الوطنيين المندمجة في شمال شيلي مثل قرى الأنكا القديمة.
ب- المراكز العمرانية الريفية الثابتة:
من السهل تحديد تعريف المحلات العمرانية الريفية في ضوء وظيفة سكانها، ومن هنا تختلف المحلة العمرانية الريفية تماما عن المحلة الحضرية "المدينة" ذلك لأن القرية هي "ورشة workshop" زراعية كبرى ويتحدد شكلها بنوع العمل الذي يمارسه سكانها وأساليب الزراعة والطريقة التي تستغل بها التربة.
أنواع المراكز العمرانية:
يرتبط إنشاء المراكز العمرانية الثابتة بمجموعة من العوامل الجغرافية لعل أهمها تزايد السكان في رقعة ما وثانيها توفير البيئة الصالحة لإنشاء هذه المراكز، وعندما يتحقق ذلك فإنه يعطي الفرصة لإنتاج الغذاء بدرجة كافية في مساحة أصغر، وهنا تحل الزراعة الكثيفة محل الزراعة الواسعة، وفي نفس الوقت فإن المركز العمراني يصبح مركزا ثابتا ودائما بالضرورة.
كذلك فإن هناك أسبابا أخرى تجعل المحلات دائمة وغير متنقلة، ومنها محاولة التجمع في محلة عمرانية ثابتة لدرء الأخطار وتحقيق الأمن الجماعي، وهناك أمثلة عديدة منها فعلا ما حدث لبدو التيدا tedas في إقليم التبستي والذين كانوا أصلا شعبا بدويا متنقلا دون مساكن دائمة، وبعد أن تعرضوا لهجمات مستمرة من الطوارق تحولوا إلى الزراعة بقدر ما تتيحه ظروف بيئتهم الصحراوية، وأصبحت محلاتهم العمرانية ثابتة ومستقرة -مع وجود بعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى التي ترتبط بالبداوة والترحال في نفس الوقت.
وهناك مثال آخر في الأراضي الموسمية في آسيا كما في اسام مثلا التي عمرت بمعدل سكاني كبير وحدثت تغيرات كبيرة في الزراعة حيث تحولت من زراعة متنقلة إلى زراعة كثيفة وكذلك المغول في وسط آسيا، ولدى هذه الشعوب فإن المحلات العمرانية هي إحدى مظاهر الحياة وانعكاس لظروف البيئة المباشرة على التركيب الاجتماعي لهم، لذا فإن هناك تماسكا اجتماعيا قويا بين جماعات الصيد والزراعة البدائية والرعي البدائي، ويبدو ذلك في جماعات الإسكيمو في النطاق القطبي وكذلك لدى جماعات الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وشعوب شرق سيبيريا، ولعل في ظاهرة الانتقال الفصلي transhumance ما يدل على أن العمران غير مستقر حيث يشغل السكان المساكن بصفة غير دائمة، بالرغم من أنها مساكن مبنية حيث يسكنونها في فصل الرعي في خلال جزء من السنة، بينما على الجبال تكون المساكن الفصلية الأخرى على بعد عشرة أو عشرين أو ربما ثلاثين ميلا من القرى الدائمة في الأودية السفلى.
وكذلك الحال لدى الزراع البدائيين الذين ينظفون مساحة من الأرض لزراعتها، وعندما تقل خصوبة تربتها فإنهم يفضلون الانتقال بقريتهم إلى موضع جديد عن البقاء في القرية الأصلية والعودة إليها، ولذا تبدو المزرعة القديمة مهجورة، وكذلك القرية التي كانت مركزا عمرانيا للجماعة البشرية تبدو مهجورة هي الأخرى.
ولا تتم إزالة القرى عشوائيا -فيما عدا بعض القبائل البدائية جدا- بل يتم ذلك في دورة معتدلة، ومن وقت لآخر تبنى القرية في موضع سابق شغلته مراكز عمرانية مرات عديدة من قبل، ولا شك أن لذلك فائدة كبرى تتمثل في الاستفادة من بقايا القرية السابقة في إنشاء محلة عمرانية جديدة، وقد يحدث في بعض الأحيان أن تتأقلم الزراعة المتنقلة مع العمران المبعثر كما في غابات الأمزون حيث يعيش الزراع المتنقلون في قرى ثابتة مع مساكن مبعثرة جنبا إلى جنب، وفي أعالي وادي نهر ريو برانكو فإن القبائل تتكون من عائلات صغيرة تعيش منفصلة في مجموعات صغيرة من كوخين أو ثلاثة وتتغير مواضع هذه الأكواخ كل سنتين أو ثلاثة، كذلك فإن جماعات الأروكان الذين يحترفون الزراعة المتنقلة فيما بين وسط وجنوب شيلي يعيشون في مساكن مبعثرة للغاية حيث تتكون بيوتهم من الأغصان ولذلك فعند انتقالهم يأخذون معهم الإطار الرئيسي للمسكن فقط.
والشعوب البدائية التي تمارس الزراعة المتنقلة لديها مساحات واسعة من الأراضي يمكنهم أن يتبعوا دورة كل عدة سنوات بها، ففي الزراعة المتنقلة تزال القرى عند الانتقال إلى منطقة جديدة بعد إجهاد التربة في المنطقة الأصلية ولكن عندما يتزايد السكان تصبح الأراضي التي يمارسون فيها الزراعة المتنقلة قليلة ويصبح إزالة القرى أمرا صعبا هو الآخر ومن ثم تصبح محلات عمرانية ثابتة.
وفي أفريقيا كان للنظام القبلي أثره الكبير على نمط العمران الريفي ذلك لأن العمران كان مرتبطا بسكنى أفراد القبيلة في مجموعات عائلية، ففي مناطق البانتو كان ذلك يأخذ شكل نويات مبعثرة من الأكواخ على هيئة خلية النحل bee hive type ذات جدران طينية وأسقف مخروطية من القش، وغالبا ما تكون هذه المساكن بالقرب من الحقول ومن حظائر الماشية، وفي أفريقيا الزنجية الجنوبية تكون المساكن ذات جدران صلصالية بأسقف مستطيلة من القش أيضا -حول تجمع مركزي- ويحيط بها أسوار من النباتات الشوكية لحماية السكان والحيوان.
ويعكس النمط السابق طبيعة الاقتصاد المعاشي وارتباطه بموارد المياه والدفاع والحماية المشتركة، وفي بعض الأحيان قد يكون المركز العمراني صغيرا لا يتعدى قرية صغيرة تتألف من عدة أكواخ تسكنها أسرة واحدة، وفي أحيان أخرى تتجمع هذه الأكواخ على هيئة بلدة متواضعة تأخذ في النمو حول مسكن رئيس القبيلة1.
ويقل التأثير القبلي بدرجة كبيرة بين السكان المستقرين في شمال أفريقيا، ولكن تبقى ظاهرة تركز السكان الريفيين في قرى كبيرة سائدة، ففي وادي النيل والدلتا في مصر تنتشر القرى ذات البيوت الطينية والأسقف المسطحة في نويات مركزية في الأرض الزراعية وأسهمت في نشأة هذه القرى عوامل متعددة أهمها الموضع حيث كانت تنشأ على تلال تعلو منسوب الفيضان -قبل التحكم في مياه النيل منذ عهد محمد علي في النصف الأول من القرن الماضي-، وتبدو آخر مراحل الاستقرار في زراعة الأرز في آسيا الموسمية حيث يتطلب أيدي عاملة كثيرة غالبا ما تكون مرتبطة بالحقول، ومن ثم فإن زراعة الأرز كما يقول بيربلو perpillou والتي تعد المرحلة النهائية في التطور تعد أيضا مادة لاحمة قوية "أسمنت لمجمعات القرية في الشرق الأقصى"1.
ويمكن تقسيم المحلات الريفية الثابتة إلى نمطين رئيسيين هما: أ- نمط القرى المندمجة، ب- نمط القرى المبعثرة.
1- القرى المندمجة:
يرتبط هذا النمط بإنشاء المساكن الريفية في بقعة واحدة مختارة داخل الأراضي الزراعية، وبالتالي تكون الأراضي المخصصة للمساكن مختلفة ومميزة تماما عن الأراضي الزراعية ويبدو هذا النمط على الخرائط في تجمعات واضحة وفي مواضع محددة تفصلها عن بعضها البعض أراضٍ وحقول زراعية ممتدة دون أي مساكن بها.
وقد ارتبطت القرى المندمجة الشكل بالظروف البيئية الأصلية، فالإنسان البدائي بمفرده غير قادر على درء أخطار الطبيعة وتكون الأسرة أو القبيلة أولى مراحل المجتمع وتسكن في مساكن متقاربة أو ربما متلاصقة طلبا للأمن، وما إن تتزايد أعداد القبيلة حتى تنتشر مساكنها في مساحة أكبر حول النواة الأصلية للمحلة العمرانية.
على أن العلاقات الأسرية ليست كافية لتفسير الاندماج الأولي في شكل المحلات العمرانية الريفية، ففي شرق أوروبا تعيش المجموعات الأسرية في محلات عمرانية مبعثرة على هيئة "عزب" أو مجموعات من العزب، كذلك فقد تحوي المحلة العمرانية الواحدة أكثر من قبيلة كما في أريزونا ونيومكسيكو حيث تسكن القرية المندمجة لجماعات الموجي Moqui والزوني Zuni الهندية الحمراء قبائل متعددة تصل إلى 15 قبيلة تسكن قرابة المائة كوخ وليس هناك فصل بين القبائل بعضها البعض وتميل الجماعات البدائية إلى التجمع في محلة واحدة لعدة اعتبارات منها تحقيق الأمن والحماية للجماعة من أخطار البيئة المجاورة وفوق ذلك التعاون في زراعة الأرض، ومع ذلك فإن هناك محلات عمرانية لم يكن عنصر تحقيق الأمن السبب الرئيسي في نشأتها واندماجها، ذلك لأن مواقع القرى في العصر الحجري الحديث كان يحدده موقع الأرض الخصبة والتي تسهل فلاحتها، ومن ثم فإن موضع القرية البيئي هو المحور الرئيسي لاندماجها.
وتختلف القرى المندمجة حسب الحجم اختلافا كبيرا تبعا لطبيعة وموارد البيئة المجاورة، فعندما تكون فقيرة في مواردها تكون القرى صغيرة في أحجامها، فعلى حافات الصحاري تتكون القرية من عدة أكواخ قد تصل إلى ستة أو سبعة، ومن ناحية أخرى فإن البيئة الغنية بالموارد الحيوانية والنباتية تكون قراها كبيرة الحجم، كما في قرى جماعات الهوتنتوت الذين يعيشون على الصيد والجمع والرعي البدائي والتي تتكون من حوالي مائة كوخ.
على أنه ينبغي القول بأن ثروة البيئة أمر متغير وليس ثابتا، وتعتمد على مواهب السكان في استغلالها، فالزراعة الكثيفة في السهول الفيضية مثلا تمثل استغلالا متقدما للتربة، وأسهمت بدورها في خلق عدد كبير من القرى الكبيرة وارتبط ذلك بطبيعة الحال بخصوبة التربة وتوفر موارد المياه والعوامل الطبيعية الملائمة للزراعة من ناحية ونمو وتزايد أعداد السكان من ناحية أخرى.
وتبدأ القرية في التضخم السكاني وبالتالي في اتساع رقعتها العمرانية وظهور توابع صغيرة لها أو قرى ترتبط بها وتسير في مراحل نموها السابقة مع تباين في ظروف الموضع بطبيعة الحال، يمكن تتبع ذلك بسهولة بأسماء القرى الجديدة، والتي غالبا ما تحمل اسما معدلا للقرية الأم، وعلى ذلك فعندما يستقر نظام زراعي دائم تبدأ القرى المندمجة في الظهور ولعل في مصر مثل واضح على ذلك حيث يعيش ما يقرب من 60% من سكانها في قرى كبيرة أو متوسطة الحجم.
والقرية المصرية -خلية أولية- تكاد تمثل امتداد رأسيا للأرض السوداء الأفقية، فجسمها من تربة مصر مباشرة كما تقوم دائما على ربوة اصطناعية مرفوعة محدبة كالصحن المقلوب حماية من الفيضان، وهي تكاد تكون نسخة مكررة منثورة بالآلاف في كل أرجاء الوادي وعلى صفحته وإن اختلفت أحجاما وأوضاعا1 ويبدو من توزيع المراكز العمرانية في مصر وخاصة في الوادي أن توزيع القرى يتحدد في النطاق المزروع على جانبي نهر النيل فقد آثر السكان بناء قراهم في نمط خطي ملحوظ عند الحد الشرقي من الوادي وذلك لأسباب منها ضيق الأرض الزراعية في الوادي بصفة عامة، كذلك ارتبطت بنظام الري الحوضي الذي كان سائدا في معظم جهات الوجه القبلي قبل إنشاء السد العالي، وبالتالي كانت الأراضي الزراعية تغرق بمياه فيضان النيل ومن ثم حرص السكان على بناء مساكنهم في مواضع تتميز بأنها أكثر ارتفاعا لا تغرقها مياه الفيضان كذلك امتدت بعض العزب في شكل طولي على امتداد الترعة الرئيسية في المنطقة.
وبالإضافة إلى الشكل المندمج الذي يميز القرية، فهناك قرى ذات شكل طولي، ويوجد هذا النمط مرتبطا بظروف الموضع كذلك، ويسود هذا النوع في إقليم المدلاند الإنجليزي وفي منطقة اللورين وحواف حوض باريس في فرنسا والقرية الإنجليزية من هذا النوع تمتد شريطيا على جانبي طريق رئيسي، والمساكن على كلا جانبيه، وكثير من هذه القرى الشريطية قديم وبعضها حديث وقد يكون نموها مرتبطا بطريق النقل الأخرى مثل الأنهار التي تكون أساسا هاما في نشأة القرى وامتدادها.
ب- القرى المبعثرة:
قد تكون المساكن في بعض الأحيان مبعثرة -دون نظام يربطها-، وغالبا ما تكون مساكن مفردة أو مجموعة صغيرة من المساكن، والتي تبدو في النهاية على شكل نسيج معقد من القرى الصغيرة "العزب" والمزارع وغالبا ما يدل هذا التبعثر على علاقة قوية للغاية بين مكان السكن ومكان العمل حيث يوجد كل منزل وسط الحقول أو المزرعة الخاصة بصاحبه.
ويؤدي التطور الاقتصادي إلى تحديد أشكال القرى واتجاهها نحو التبعثر وليس الاندماج، ولعل أول عامل مؤثر في ذلك هو نظام الملكية الزراعية حيث توجد القرى الصغيرة مرتبطة بالمزارع الكبيرة التي غالبا ما تكون مقرا لسكنى صاحب الأرض الزراعية وبعض العمال معه في مساكن مجاورة ومعنى ذلك أن القرى المندمجة إذا كانت نتاجا لتاريخ طويل في استغلال الأرض وترجع إلى فترات قديمة، فإن العمران المبعثر نتاج للعصر الحديث وللتغير في نمط الزراعة والملكية واستغلال الأرض حول القرية حيث تقل مساحة الملكيات الزراعية قرب مساكنها -وتميل إلى الكبر والاتساع بالبعد عنها- وتلك سمة عامة تتميز بها القرى.
المسكن الريفي:
هناك اتفاق عام بين الباحثين على أن الإنسان قد استخدم في البداية أكثر أشكال البيئة المحيطة به اقترابا لإقامة مسكنه، ومنذ العصر الحجري القديم الأعلى نجد مساكن مبنية من الأخشاب والطين، وبعضها يستغل انخفاض الأرض في صورة حفر طبيعية ليبني فوقها المسكن، ومنذ العصر الحجري الحديث ظهرت البيوت المبنية من الطين المقوى بالبوص أو من اللبن "الطوب غير المحروق" أو من الطوب. كذلك شاع استخدام الحجارة في بناء المساكن سواء في بيوت الحضر أو البيوت المقامة فوق سطح الأرض، ومع ظهور البيوت المستقلة المبنية بأنواع الطوب المختلفة عند الزراع تطورت أيضا مساكن الرعاة حيث تكون مساكنهم متنقلة وبذلك ظهرت أنواع من الخيام المختلفة من خيام الشعر التي نعرفها عند البدو في الصحراء العربية الأفريقية إلى خيام المغول والتركمان الضخمة المصنوعة من اللباد والتي تسمى "يورت Yurt" وهي أعظم مسكن متنقل من حيث المساحة والارتفاع والزينة المضافة إليها، وهناك نظير لها -ولكن أصغر- وهي الخيمة الجلدية عند بعض الهنود الحمر في أمريكا الشمالية وتسمى "تيبي1Tipi"ومن الواضح أن المسكن الزراعي الريفي يكون نتاجا للمواد الخام المحلية، فمساكن الريفيين في سهول الشرق الأوسط تصنع عادة من اللبن، وأكواخ الزراع البدائيين في النطاق المداري الأفريقي تصنع من هيكل خشبي مغطى بالطين وهكذا، وترتبط هذه المساكن بالوظيفة الاقتصادية الاجتماعية، فمسكن الريفي عبارة عن مجمع يحتل القسم الأكبر منه مخازن المحصول ومأوى الحيوان ومخزن الآلات والأدوات المستخدمة في الزراعة، أما القسم الآخر الأصغر فهو عبارة عن مأوى الأسرة.
وبالإضافة إلى اختلاف المساكن الريفية في المواد التي تبنى منها فإنها تختلف أيضا في خطتها وحجمها وشكلها، فمن المساكن الريفية ما هو بسيط ومتواضع للغاية ومنها المنتظم في شكله وخطته ومنها المزدوج المستطيل وهكذا، بل إن من البيوت الريفية ما يعلو إلى طابقين، وهي في ذلك كله تنشأ نتيجة اختلافات في مستويات المعيشة ونظم استغلال الأرض.
شكل "153" إحدى القرى وحوزها الزراعي

الفَصلُ الثَّاني: نَشْأة المُدُن وتطوّرها
تعريف المدينة وأهمية دراستها:
لم يتفق الباحثون على تعريف محدد للمدينة وإن كانت المدينة كمظهر عمراني مألوف يمكن تمييزها عن القرية بوضوح سواء في شكلها المورفولوجي الخارجي أو في وظائفها أو حتى نموها وتطورها التاريخي، ومع ذلك فليست هناك قاعدة محددة يمكن أن تحدد بواسطتها تعريف المدينة وإن كانت هناك آراء كثيرة قد قيلت في هذا الصدد.
وعلى العموم تتفق آراء الباحثين على أن المدينة هي مركز التركز السكاني والعمل والترفيه، كذلك تشترك هذه الآراء في أن هناك حدا أدنى للحجم السكاني الذي تعرف المدينة على أساسه وإن كانت الآراء قد اختلفت في ماهية هذا الحجم السكاني وعلى سبيل المثال يعد المركز العمراني في الولايات المتحدة مركزا حضريا "مدينة" إذا كان عدد سكانه 2500 نسمة فأكثر بينما يرتفع هذا الرقم إلى 30.000 نسمة في اليابان مثلا.
وعلى العموم فإن الحجم السكاني يعد عنصرا مشتركا في كثير من الآراء التي قيلت في تعريف المدينة، وهو بدوره متباين إلى حد كبير بين الدول بعضها البعض -كما ذكرنا آنفا، بل يتفاوت التعريف في الدولة نفسها من فترة زمنية لأخرى، ففي الولايات المتحدة كانت المدينة في الفترة من سنة 1880 - سنة 1900 تعرف على أنها تلك المحلة العمرانية التي يسكنها أكثر من 4000 نسمة ولكن من سنة 1900 اتخذت الرقم 2500 نسمة كحد أدنى لتصنيف المدن. أما في فرنسا وألمانيا فإن المدن هي التي يزيد عدد السكان في كل منها على 2000 نسمة.

ولعل في اختلاف الدول العربية مثلا في تعريف المدينة ما يدل على الفكرة السابقة، ففي مصر يقتصر تعريف المدينة على الوظيفة الإدارية التي تؤديها فقط ولذا فإن المدن المصرية كما ورد في تعدادات السكان الأخيرة "1960، 1966، 1976" هي عواصم المحافظات وعواصم المراكز وتسير سوريا على نفس التعريف، والأردن يعتبر عدد السكان 10000 نسمة حدا أدنى لتعريف المدن به، ولذلك فإن اختلاف التعريف بين الدول يجعل من الصعب عقد مقارنات دولية لتحديد سكان الحضر بدقة ومع ذلك فإن هذه المقارنة يمكن أن تتم في ضوء التعاريف المحلية المستخدمة لكل دولة.
وتعد بيئة المدينة أكثر البيئات الجغرافية تغيرا على الإطلاق حيث تمثل نموذجا مجسما لما أحدثه الإنسان في بيئته الجغرافية فقد استطاع أن يتركز في بقعة معينة على سطح الإقليم وأن يشيد في هذه البقعة المساكن والطرق والمصانع والمتنزهات ودور اللهو وغيرها، كما استطاع أن يغير الكثير من الملامح في مواضع المدن الأصلية، فأزال الغطاء النباتي بها وهذب الأنهار التي تمر بالمدينة وأقام الجسور عليها واستغل مياهها ومررها في أنابيب تحت السطح، وباستثناء بعض الحدائق التي زرعها الإنسان في الغالب بحشائش وأشجار مجلوبة، فإن عناصر البيئة الطبيعية في المدن شملها التغيير بصورة جوهرية، وعلى ذلك فالمدينة بحق تعد بيئة صنعها الإنسان لنفسه. أو بمعنى آخر فهي مثل مجسد على التغييرات المركبة التي أحدثها الإنسان في موطنه.
وبالرغم من أن المدن تختلف فيما بينها اختلافا جذريا -حيث إن لكل مدينة شخصيتها كما يقال- فإن دراستها ذات أهمية للجغرافي ذلك لأنها تعد بيئة فريدة بالرغم من أنها تشغل مساحات ضئيلة، ففي سنة 1960 بلغت مساحة المناطق الحضرية في الولايات المتحدة والتي يزيد عدد سكان كل منها على 50.000 نسمة نحو 25.464 ميلا مربعا، أو نحو 0.7% من جملة مساحة البلاد، وفي هذه المساحة الضئيلة جدا يعيش 96 مليون نسمة أو نحو 54% من سكان البلاد في سنة 1960. أما المدن الصغيرة التي يزيد سكان كل منها على 2500 نسمة إلى أقل من 25000 نسمة فيسكنها 29.4 مليون نسمة.
وتختلف كثافة السكان بالمدن اختلافا كبيرا، فأكبر مدن العالم لندن وطوكيو ونيويورك يتراوح متوسط الكثافة السكانية بها بين 24.000 إلى 30.000 نسمة في الميل المربع وتزيد الكثافة داخل المدن حتى تصل إلى 85.000 نسمة/ ميل2، كما هي الحال في جزيرة مانهاتن في نيويورك، ثم ما تلبث الكثافة أن تقل بالتدريج نحو الأطراف.
ويؤدي تزاحم السكان بالمدن إلى استغلال المناطق الفسيحة سواء فوق سطح الأرض أو تحت هذا السطح -وقد أدى ذلك إلى ظاهرة ناطحات السحاب التي تميز شيكاغو ونيويورك مثلا- والتي أدى نشاطها الحالي إلى الضغط على وسائل المواصلات التي وجدت متنفسا لها في الأنفاق السفلية.
ولما كان علم الجغرافية قد اتجه فيما بعد الحرب العالمية الثانية إلى دراسة مشاكل الإقليم -فيما يعرف بالجغرافيا التطبيقية التي تعنى بمشاكل توزيع وتنظيم المجتمع ومرافقه ومصالحه في الإطار الإقليمي الذي يشغله، فقد انعكس ذلك بوضوح على جغرافية المدن فقد دخلت ميدان التخطيط الإقليمي وتخطيط المدن Regional & Town Planning؛ ذلك لأن للتخطيط أساسا جغرافيا لا مفر منه سواء للمدن أو الريف.
وقد أنشئت مناهج ودراسات في الجغرافيا التطبيقية وفي التخطيط الإقليمي في كثير من الجامعات الفرنسية والأمريكية، إما في أقسام الجغرافيا أو في معاهد متخصصة لدراسة العمران الحضري. وفي إنجلترا تكاثر عدد المهتمين بجغرافية المدن التطبيقية للمساهمة في استغلال الأرض Land -Use وتخطيط المدن وأصبح هناك عدد كبير من الجغرافيين المحترفين في وزارات الإسكان والحكم المحلي يعملون جنبا إلى جنب مع المهندسين والمساحين في التخطيط وذلك للإسهام في وضع خطة عمرانية تراعي إعادة توزيع السكان في ضوء توزيع المراكز العمرانية واتجاه النمو في الإقليم، بغية تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للتخطيط الإقليمي.
ونحن في الدول العربية في حاجة ماسة إلى إدراك حقيقة تخطيط المدن والأقاليم وأسسه الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكن أن يتم ذلك بالصورة المنشودة إلا بالتعاون الكامل بين المهندسين من ناحية والجغرافي والاجتماعي والاقتصادي من ناحية أخرى في صورة هيئة مشتركة، بل ينبغي أن يكون لكل مدينة مكتب تخطيط مشترك يشمل المهندس والجغرافي والاجتماعي، ويكون من واجبه إجراء مسح جغرافي شامل للمدينة وإقليمها كنقطة البدء في أي تخطيط مستقبلي لها.

نشأة المدن وتطورها
مدخل
...
نشأة المدن وتطورها:
نشأت المدن كظاهرة عمرانية قديمة في الشرق الأوسط وبالتحديد في مصر والعراق وباكستان الحالية، وكان ظهورها مرتبطا بتقدم كبير في المعرفة الإنسانية والأساليب الفنية المستخدمة وخاصة استخدام المعادن واختراع الشراع واستخدام العجلة Wheel في النقل ثم صنع الفخار محليا واختراع المحراث واستخدام الحيوان في الجر، وقد ترتب على ذلك زيادة كبيرة في الإنتاج والنقل وواكبه ظهور المدن كمظهر عمراني متقدم في التاريخ البشري.
وقد بدأت أولى مراحل الثورة الحضرية لدى المجتمعات الزراعية في مناطق السهول الفيضية في وادي النيل الأدنى وكذلك في القطاع الأدنى من الدجلة والفرات وفي سهول نهر السند وفي هذه المناطق استقرت الحياة البشرية وقامت على دورات منتظمة لفيضانات الأنهار، واستخدام المحراث مما مكنها من إنتاج الغذاء بوفرة، وقد ساعد فائض الأغذية لأول مرة على توفير الغذاء لأعداد كبيرة من السكان ليسوا مشتركين في إنتاج الغذاء ذاته، وتجمع هؤلاء السكان في المراكز العسكرية والثقافية والإدارية القديمة على هيئة مدن صغيرة Towns مثل هارابا Harappa وموهنجودارو Mohinjo-Dare في وادي السند، وأفرود يتوبوليس Aphroditopolis وطيبة وبوتو Thebes And Butu في مصر ومدن سوسه وأور Ur وكيش Kish قرب بابل في العراق.
وكذلك الحال في المدن التي ظهرت بعد ذلك مثل أنيانج Anyang في حوض الهوانجهو بالصين معتمدة على أساس زراعي ساهم في إيجاد وفرة في الغذاء نتجت عن الزراعة بالري في أراضي الهوانجهو الخصبة، وقد أظهرت الأدلة الأركيولوجية في العالم الجديد أن المدن المبكرة نشأت به على هذا الأساس الزراعي.
وإذا صحت آراء العالم "ساور" عن موطن الزراعة وانتشارها فإن هذه المجتمعات الزراعية الحضرية Agricultural Urban Societies تكون قد ظهرت منذ فترة تتراوح بين 4000 - 5000 سنة في كل من الشرق الأوسط والصين.
وقد أظهرت الدلائل في مواضع المدن القديمة في الشرق الأوسط أنها كانت ذات حجم سكاني معقول، فقد تراوح سكان المدن السومرية فيما بين 7000 إلى 20000 نسمة كما أن سكان هارابا وموهنجو دارو كانوا أكثر قليلا من ذلك. كذلك فإن مدينة طيبة -أكبر عواصم مصر في عصر الأسرات- كانت تشغل مساحة كبيرة نواتها الأصلية الأقصر والكرنك الحالية، ويعد الرقم 80000 نسمة الذي ذكره أحد الكتاب البابليون يفوق أي رقم معروف عن أية مدينة قديمة أخرى.
المدن التجارية القديمة:
ظهرت بعد ذلك مدن ذات وظائف خاصة أبرزها المدن التجارية التي تحصل على ثرواتها من الخدمات التي تقدمها لسكان المناطق المجاورة، وقد اعتمدت هذه المدن على مواقعها الجغرافية واستغلالها لذلك في تقوية علاقاتها التجارية بالأقاليم الأخرى.
وقد ظهرت هذه المدن التجارية القديمة منذ ما يقرب من 2000 سنة قبل الميلاد قبل عصر البرونز، وأبرز أمثلتها فيلاكوبي Phylakopi على جزيرة ميلوس Milos -إحدى جزر بحر إيجه- التي أصبحت مركز لتجارة الزجاج، وعلى ساحل الشام حيث نمت واذهرت بيبلوس "جبيل" التي اشتهرت بتجارة الأخشاب المتوفرة في ظهيرها وتصديره إلى مصر وبلدان شرق البحر المتوسط الأخرى، وكذلك اشتهرت مدن كريت في النصف الأول من الألف الثانية قبل الميلاد وقامت شهرتها على التجارة البحرية خاصة مع مصر، وتبعتها في ذلك وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد عدة مدن يونانية وعلى ساحل الشام فإن المدن الفينيقية مثل صور وصيدا نمت كمراكز تجارية هامة في العالم الفينيقي.
وقد كانت مدن البحر المتوسط التجارية هذه صغيرة الحجم، وربما كان من بين سكانها نسبة ليست صغيرة من الزراع، ولكن الحرفة الرئيسية لمعظم سكانها كانت التجارة وقد شهدت هذه المدن تطور الفنون والمهارات البشرية التي انتقلت عبر المتوسط إلى الأقاليم المجاورة.
وإلى جانب هذه المدن الساحلية التي اشتغلت بالتجارة قامت مدن داخلية تعرف بمدن القوافل، وهذه كانت قليلة العدد تقع على أطراف الصحراء وتقوم كحلقة صلة بين مدن الساحل الفنيقي وبلدان الشرق الأوسط. ومن مدن القوافل هذه مدينة حلب Aleppo ودمشق Damascus وتدمر Palmyra واستمدت هذه المدن ثروتها من التجارة مثلها في ذلك مثل المدن الساحلية، ولكنها تختلف عنها في المواقع بطبيعة الحال، فكانت تقع وسط بقع زراعية غنية تمدها بحاجتها من الغذاء والمواد الأولية "دمشق في سهل الغوطة الخصب وتدمر في واحة غنية".

المدن اليونانية:
بدأت المدن في التزايد العددي منذ بداية الألف الأولى الميلادية، وفي خلال القرن الثامن والسابع قبل الميلاد كانت دولة المدينة اليونانية ظاهرة هامة في المظهر الحضري السياسي بها، وبدأت في التوسع العمراني بل وفي غزو أراضٍ أخرى، ونتج ذلك عن ظروف البيئة الجغرافية لتلك المدن والتي تميزت بقلة الأراضي الزراعية حولها مما دفعها إلى الخروج عن بيئاتها المحلية واستعمار مناطق أخرى.
وعلى سبيل المثال، فقد أنشئت سيراكيوزوكوما Cuma وغيرها من المستعمرات في إيطاليا وصقلية -في الفترة اليونانية المبكرة بين سنتي 750 - 700 قبل الميلاد، ومن ثم استطاعت دول المدينة اليونانية أن تمد نفوذها على امتداد البحر المتوسط، وفي سنة 500 قبل الميلاد كانت الحياة الحضرية La vie Urbane ظاهرة سائدة في ساحل المحيط الأطلسي من إسبانيا غربا حتى سهول الجانج في الهند شرقا.
وفي خلال مرحلة الانتشار الحضاري كانت هناك مظاهر حضارية هامة ممثلة في الأساليب والفنون الجديدة لسكان المدن مثل الأدوات والأسلحة الحديدية، كذلك استخدام الكتابة بالحروف الأبجدية وتصميم السفن الشراعية بل وبدء استخدام العملات النقدية في التجارة، وكانت هذه الملامح الحضرية عناصر هامة في الانتشار الحضري. وبدا التخصص في الإنتاج سمة مميزة للمدن معتمدة على تبادل إنتاجها من الصناعات والأدوات مع المدن الأخرى بغية الحصول على الحبوب، وأبرز مثال على ذلك هو اعتماد المدن اليونانية على تجارة القمح الوارد إليها من سواحل مقدونيا والبحر الأسود.
وكان انعكاس ذلك على النمو الحضري ممثلا في تضخم المدن بالسكان، وأوضح الأمثلة أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد فبالرغم من أن تقدير السكان للمدن القديمة يعد أمرا محفوفا بالصعاب إلا أن سكان أثينا قدروا برقم يتراوح بين 100.000 إلى 150.000 نسمة، كانت بذلك من المدن الكبرى آنذاك تتضاءل إلى جانبها كثير من المدن الأخرى صغيرة الحجم.
وقد ساعد التقدم في المواصلات والأسلحة على قيام وتوسيع الإمبراطورية الهللينية "اليونانية" والتي ساعدت بدورها على الانتشار الحضري سواء بالتزايد في أحجام المدن القائمة أو بإنشاء مدن جديدة، فحوالي سنة 300 ق. م أنشأ الإسكندر المقدوني كثيرا من الطرق الجديدة في إمبراطوريته، ووحد العملة السائدة ونشطت التجارة نشاطا كبيرا انعكس بدوره على التطور الحضري وقد تطلبت مسئوليات الحكم والإدارة نمو مدن هامة قامت بهذا الدور مثل الإسكندرية في مصر التي تبوأت مركزا كبيرا في الفترة الإغريقية والرومانية من بعدها.
وبالرغم من تفكك الإمبراطورية الهللينية بعد وفاة الإسكندر الأكبر سنة 321 ق. م إلا أن الدفعة القوية للعمران الحضري أثناءها استمرت كذلك في عهد الإمبراطورية الرومانية حتى إن الإسكندرية بلغت مساحة رقعتها 200 فدانا "800 دونم" في سنة 100 ق. م. كذلك فقد استمر التخصص الإقليمي في الإنتاج الزراعي وأدى بدوره إلى نمو التجارة والمدن في تلك الأقاليم التي كان النقل المائي متوفرا بها، ولقد كانت كل المدن اليونانية في القرن الثالث ق. م. تستورد القمح وتصدر الزيت والنبيذ إلى أراضي ما بين النهرين وشمال سوريا وشمال البحر الأسود والدانوب الأدنى، كذلك وصل نفوذها غربا حتى قرطاجة وإيطاليا وصقلية.
المدن الرومانية:
بدأت الحياة الحضرية في الانتشار بصورة أوسع في عهد الإمبراطورية الرومانية التي توسعت بعد أن هزم الرومان اليونانيين في إيطاليا وصقلية والاستيلاء على مناطق كانت خاضعة لليونان بالإضافة إلى مناطق أخرى في شمال غرب أوروبا، وقد ظهرت المدن في شمال جبال الألب لأول مرة، وأنشئت مدن في وادي الراين وفي إنجلترا كذلك، وكانت الوظائف الدفاعية والإدارية لهذه المدن تفوق الوظيفة التجارية، ووجدت بعض منتجات هذه المدن طريقها عبر الإمبراطورية الرومانية وساعد على ذلك الطرق الرومانية الشهيرة في أوروبا وامتدادها في آسيا وأفريقيا.
وقد أدت مظاهر التقدم الحضاري هذه إلى نمو كبير لبعض المدن سواء كانت مواني أو مراكز إدارية وتجارية، وتعطي التقديرات المعقولة رقما لسكان روما في القرن الثاني الميلادي يصل إلى 200.000 نسمة ولبيزنطة في أواخر الإمبراطورية الرومانية إلى 192.000 نسمة. وكان معظم المدن شبيه الحجم للمدن التي أنشأها اليونانيون، وقد وصلت رقعة المدن الكبرى مثل لندن الرومانية إلى مساحة بلغت 300 فدان وبسكان قدروا بحوالي 30.000 نسمة.
ويرجع الفضل للرومان في إنشاء كثير من المدن الداخلية في أنحاء الإمبراطورية وكانت هذه المدن معسكرات للمحاربين القدماء الذين نزحوا من إيطاليا لتخفيف ضغط السكان على موارد الرزق، وكان بعضها الآخر محلات للتجار والصناع وغيرهم قامت بجانب الحصون والقلاع على حدود الإمبراطورية مثل يورك York في بريطانيا وكولون في ألمانيا وبلغراد في يوغسلافيا.
وإلى جانب هذه المدن الجديدة كانت هناك مدن سبقت قيام الإمبراطورية الرومانية وازدادت أهميتها بسبب التخصص التجاري، مثل مدن البحر الأحمر المصرية والتي كان أهمها أرسينوي "مكان السويس الحالية" وبرنيس في موضعها الحالي -وكانت تستقبل التجارة من الشرق الأقصى، كذلك زادت أهمية مدن القوافل على حافة الصحراء السورية مثل تدمر في سوريا والبطراء في الأردن بسبب وقوعها على طرق التجارة في ذلك الوقت1.
وكانت مدينة الإسكندرية أهم مدينة تجارية في الإمبراطورية الرومانية -وكانت عاصمة لمصر آنذاك- تتجمع فيها الغلال التي كانت تحتاج إليها روما وكانت تنتقل إلى الإسكندرية بواسطة نهر النيل وفروعه وقنواته ومن ثم يحملها أسطول تجاري إلى روما، ولم تقتصر وظيفة الإسكندرية على التجارة والحكم فقط، بل كانت مركزا ثقافيا وصناعيا كذلك2.
وكان لسقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي أثره في انكماش الحياة المدنية، فقد اختفى ذلك الاستقرار الذي أسسه الرومان، وتقلصت التجارة، وانكمشت المدن في حجمها وأهميتها بل وهجر السكان كثيرا من المدن الصغيرة في شمال غرب أوروبا، وفي حوض البحر المتوسط استمرت الحياة المدنية في ظروف محددة للغاية وخاصة في شرق البحر المتوسط، حيث كان الاستقرار سائدا في عهد الإمبراطورية البيزنطية بنفس ملامح التحضر السابقة، ولعل من أبرز الأمثلة مدينة الإسكندرية وبيزنطة رغم أنهما لم يكونا في نفس الازدهار السابق، بل إن بيزنطة قد احتلت مركز روما في أيام مجدها وكانت تشبهها في حجمها وثروتها وقوتها البحرية.
المدن الإسلامية:
وبعد ظهور بيزنطة ببضعة قرون ظهر الإسلام وكون المسلمون إمبراطورية واسعة من الدولة البيزنطية وازدهر العمران الحضري في ظل الدولة الإسلامية، وظهرت مدن لعبت دورا هاما في نشر الثقافة وتقدم التجارة، ويرجع هذا الازدهار إلى عوامل مختلفة دينية وسياسية وحربية واجتماعية وتجارية، ومن المدن الدينية التي أنشأها المسلمون فاس ومراكش والرباط والنجف وكربلاء وصارت لمكة والمدينة مكانة خاصة في قلوب المسلمين، كذلك أنشئت مدن عسكرية مثل البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان، وظهرت العسكر ثم القطائع ثم القاهرة كعاصمة لمصر.
وعندما وصل العرب إلى إسبانيا أنشئوا كثيرا من المدن وأسهموا في إضافة الكثير للمدن الرومانية التي كانت قائمة بالفعل، وتحكي مدينة قرطبة في أيام الأمويين "756 - 1002" ميلادية مدى دور الحضارة العربية في ازدهار الحياة المدنية، فقد كانت هذه المدينة ذات حجم سكاني يصل إلى نصف مليون نسمة، وتدنى عددهم اليوم ليصل إلى 100000 نسمة فقط.
المدن في العصور الوسطى:
كان انتعاش الحياة الحضرية في كثير من أجزاء أوروبا بطيئا بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية كما لاحظنا، فقد تبع انتشار المسيحية من الشرق الأوسط بين الكنيستين الغربية والشرقية تقسيم جغرافي للعالم الروماني إلى قسمين وتركز النشاط الاقتصادي والسياسي للقسم الغربي اللاتيني في مدينة روما، أما القسم الشرقي البيزنطي فقد تركز في القسطنطينية.
وقد انهارت الإمبراطورية البيزنطية عندما انتشر الإسلام وسيطر المسلمون على شرق وجنوب البحر المتوسط في القرن السابع الميلادي، وأسهم العرب بجهودهم في نشر العمران المدني في المناطق التي سيطروا عليها، وكانت أوروبا تعيش عصرا مظلما Dark Age ولم تنشط التجارة فيها إلا في القرن الحادي عشر حيث بدءوا إعادة بناء كثير من المدن الرومانية في المواضع السابقة، وأنشئت بذلك مدن حديثة، وبدأت بعض القرى الكبيرة في ممارسة بعض الوظائف الحضرية. وفي القرن الثاني عشر أنشئ المزيد من المدن في مواضع جديدة وخاصة على أيدي الألمان الذين انتشروا وسط وشرق أوروبا، وارتبطت هذه المواضع بإنشاء قلاع للسيطرة على المواقع الهامة.
وقد أنشئت مدن العصور الوسطى الأولى في نقاط يسهل الوصول إليها، وبتطور التجارة المحلية والخارجية انتشرت الحضارة في أوروبا حتى أصبحت مظهرا واضحا من مظاهر البيئة في القرن الخامس عشر في معظم غرب ووسط أوروبا، وقد كانت تمارس وظائف متشابهة أبرزها الحرف اليدوية والتجارة، كما كانت مركزا للتجارة المحلية والدفاع، ولكن التزايد في أعداد المدن كان أبرز من التزايد في أحجامها في أوروبا العصور الوسطى وظلت هذه المدن محكومة بالمعادلة السابقة في نشأة المدن، وهي العلاقة بين السكان والموارد المحلية، ومن أمثلة ذلك نورمبرج التي قدر سكانها بحوالي 20.000 نسمة في سنة 1450 ولندن ذات الموقع الهام على نهر التيمز والتي بلغ سكانها 40.000 نسمة سنة 1350، وربما كان هذا هو عدد سكانها في العصر الروماني كذلك.
في بعض أقاليم أوروبا كانت الحياة الحضرية على ازدهارها السابق، فكان سكان فلورنسا في القرن الرابع عشر 90.000 نسمة والبندقية 190.000 نسمة في سنة 1422، ويبدو أن سكان المدن الأخرى كانوا يعدون بالمئات وليس بالآلاف، ولم تتجاوز أكبر المدن حجما 50.000 نسمة، ولكن المدن بدأت تزيد عن هذا الحجم بعد القرن السادس عشر الميلادي وارتبط ذلك بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وفي الأقاليم ا

بواسطة : admin
 0  0  15.6K
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:57 صباحًا الثلاثاء 19 مارس 2024.